جديد الأخبار
جاري التحميل ...

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

الأمريكي الشاب الذي قتله الإنترنت


كان يُمكن للأمريكي الشاب آرون سوارتز، أن يكون بمقام واحد مع مؤسس الفيسبوك مارك زوكربيرغ ، أو جماعة "غوغل"، أي من مجموعة القادة الشباب في "السليكون فالي" في كاليفورنيا، والذين يقودون ويخططون لمسارات الشبكة العنكبوتية، فلم يكن ينقصه الذكاء أوالابتكار أوالطموح، لكنه فَضّل أن يأخذ طريقاً آخر، أراد أن يُغيّر العالم نحو الأفضل عن طريق الإنترنت، فدخل في حروب كثيرة مع مؤسسات قوية لا ترحم، واصطدم مع القضاء الأمريكي، وحوصر في عمله ونشاطه إلى الحد الذي ضاقت عليه الطرق، فاختار يوم الحادي عشر من يناير عام 2013 أن ينهي حياته شنقاً ولم يبلغ وقتها السادسة والعشرين من العمر. يُقدم فيلم "صبي الإنترنت: قصة آرون سوارتز " للمخرج الأمريكي بريان كنابينبيرغير والذي يعرض الآن في صالات سينمائية بريطانية وأمريكية، السيرة القصيرة لكن الحافلة لواحد من أكثر مُتمردّي الإنترنت طموحاً وذكاءً.
بدايةً، يُشير الفيلم لسرعة إنتاجية صارت تطبع كثيرا من الأعمال التسجيلية التي تتناول أحداثاً مُعاصرة من السنوات الأخيرة، ففي خلال ما يقرب من العام والنصف من انتحار آرون سوارتز تم تصوير وعرض الفيلم عنه، والذي يقدّم لقاءات مع عائلة الشاب (رغم ما تكنتزه هذه من صعوبة عاطفية كبيرة على الأهل)، كما وصل الفيلم وبسرعة كبيرة جداً إلى العرض الجماهيري. هذا الأمر، الذي لم يكن ممكناً في الماضي، هو اليوم جزء من طبيعة الإنتاج التسجيلي، في عصر الديجيتال وبعد تخلصّه من قيود الشركات السينمائية الكبيرة المُنتجة أو الموزعة، وهو الأمر الذي سهّل تسويق الفيلم التسجيلي على الصالات السينمائية. كما يمكن التخمين أن السرعة في إنجاز الفيلم، لها علاقة أيضاً بالرسالة التي كرّس آرون سوارتز حياته القصيرة لها، والتي لم تكتمل، ليكون الفيلم التسجيلي ما يُشبه "تَكمِلة" لتلك المسيرة، هذا رغم أن السرعة هذه أثرّت قليلاً على المُحصلة النهائية للفيلم وإحاطته النهائية  للأحداث التي قدّمها، لجهة عدم قدرته إقناع أي من خصوم آرون سوارتز في الحديث للفيلم، ربما لأنهم مازالوا في خضم الأحداث تلك، ولم يَمِّر الزمن الكافي ليجعل العودة إليها مُمكنه، كما لا يستبعد أن يكون للجانب القانوني دوراً في رفض خصوم الشاب الأمريكي الحديث للفيلم، خوفاً من ملاحقات قضائية مُحتملة.
ومما يلفت أيضاً في الفيلم، هو وفرة المواد الأرشيفية عن الشخصية الراحلة، والذي هو أحد مميزات عصرنا هذا، وولعنا بتسجيل لكل شيء من حولنا على كاميرات صغيرة أو كبيرة. توفر عائلة آرون سوارتز أرشيفها الصوري العائلي لمخرج الفيلم، ومنه مشاهد عديدة كانت تتنبأ بموهبة وذكاء كبيرين للأمريكي الشاب. فهناك أفلام فيديو قديمه يظهر فيها وهو يجلس خلف كمبيوتر قديم ولم يتعد الخامسة من العمر. سيقوم آرون سوارتز بكتابة برنامج إلكتروني للعبة ولم يتعدّ العاشرة. أما سنوات مراهقته فسيقضيها متنقلاً بين مؤتمرات علمية تخص الإنترنت، سيُعامل فيها كالبالغين، وسط دهشة العائلة أحياناً، التي كانت تراه مراهقاً عادياً. سيبدأ وسَط المبتكرين في عالم الإنترنت بالانتباه لذكاء وطموحات آرون سوارتز مع دوره في تطوير برامج "RSS" (تنقية تنقل أهم اخبار المواقع الاخرى أحياناً بشكل شريط مُتحرك)، بعدها ستبدأ سيرة شديدة التميز والتنوع للشاب الأمريكي في عالم الإنترنت.
ليس من الواضح تماماً أسباب التغيير الذي طرأ على الشاب، والذي قاد لانشغاله بتحقيق "العدالة" على الشبكة العنكبوتية، فبعد نجاحات كبيرة وهو لم يبلغ العشرين من العمر، وانتقاله إلى " السليكون فالي "، قرر آرون سوارتز أن عالم أثرياء الإنترنت لا يناسبه، فترك عمله في الشركة العملاقة ليواصل دراسته الجامعية في مدينة بوسطن
الأمريكية. هذا التغيير بقى غامضاً في الفيلم رغم محاولات بعض الذين تحدّثوا في الفيلم تفسيره. سيواصل سوارتز في المقابل نشاطه الكبير، سيشترك في عشرات المبادرات، أغلبها لمحاربة الذهنية التي تشترط دفع مبالغ لمواقع إلكترونية مقابل قراءة وثائق قانونية وعلمية يَعتقد أنها يجب أن تتوفر مجاناً، وهذه الأخيرة هي التي ستقود إلى أول مواجهة لسوارتز مع القضاء في بلده، فالشاب سيتسلل الى مبنى مكتبة علمية أمريكية لتحميل البحوث العملية الموجودة على نظامها الإلكتروني من أجل توفيره للراغبين ومجاناً (هذا كله سجلته كاميرات الحماية للبناية وعرضه الفيلم التسجيلي)، ليقبض عليه بعدها ولتطارده، وحتى اليوم الأخير من حياته، تبعات تلك القضية. رغم شبح الجنحة القضائية الذي كان يفسد أيامه، الا أن نشاط الأمريكي الشاب لم يتوقف، فهو كان أحد الناشطين البارزين الذين تصدّوا لقانون جديد كانت الحكومة الأمريكية تنوي تشريعه لتنظيم الإنترنت، (يعرف باسم  " SOPA ") ، وسيتذكره كُثر لدوره في وقف ذلك القانون الجدليّ.
ترك سوارتز مجموعة كبيرة من المقالات والمقابلات التلفزيونية، لذلك لم يواجه الفيلم مشاكل كبيرة مع المواد الأرشيفية، كما كان تعاون عائلته وأغلب رفاقه أحد مميزات هذا العمل التسجيلي، الذي يحاول أن يقدم بورتريها لشخص عاش زمناً معقدا، وواجه عقليات وذهنيات مازالت هي ذاتها تهيمن على زمننا. مافعله سوارتز في حياته القصيرة يقترب من الأفعال المنسوبة للشخصية الأسطورية "روبن هود"، هو حاول أن يجعل الإنترنت ساحة مفتوحة وبدون قيود ومجانية للجميع، هذا لن يتحقق في حياته، لكن الفيلم يقدم مجموعة من الأدلة والمؤشرات بأن كثيرين قد تأثروا برسالة آرون سوارتز، وإن هذا الأخير في طريقه إلى التحول إلى مثال للنُبْل في عصر التكنولوجيا.

Add To Reddit Add To Blogger Tumblr Add To Twitter Add To Facebook Add To Yahoo Google plus

0 التعليقات:

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets

نافذة على الأنترنيت

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More